الإيقاع الأول


 
بعد أن عرفنا فكرة الكتابة العروضية، هل نعود الآن إلى لعبتنا التي توقفنا عندها؟ لا تتذكر؟! إنها الوحدات الإيقاعية التي تحدثنا عنها.. ألم أطلب منك أن تدق على طاولتك هذه الوحدات، ثم تجمع بين وحدتين وتكررهما؟ آه.. الآن تذكرت.. تعال لنواصل معا هذه اللعبة.

 

ها.. اسحب طاولتك وابدأ الدق معي..

دُدُمْ دُمْ/دُدُمْ دُمْ/دُدُمْ دُمْ/دُدُمْ دُمْ/دُدُمْ دُمْ/دُدُمْ دُمْ/دُدُمْ دُمْ/دُدُمْ دُمْ

//o/o //o/o //o/o //o/o //o/o //o/o //o/o //o/o

 

استمر في هذا قليلا.. حاول أن تركز معي في السؤال التالي: ماذا سيحدث لو تركتك أنا وخرجت من الغرفة الآن، واستمررت أنت في الدق على الطاولة، دون أن تغير من الإيقاع، ثم عدت إليك مجددا بعد قليل؟ ماذا سيحدث؟ ستقول لي: "لا شيء.. فقط ستعود أنت لسماع الإيقاع ذاته معي".. سأقول لك: وماذا إذا جاء دخولي ثانية إليك متزامنا مع (دُمْ)، وليس (دُدُمْ) التي تبدأ بها؟ لم تفهم سؤالي؟! يا صديقي إنني سأسمع الآتي:

دُمْ دُدُمْ/دُمْ دُدُمْ/دُمْ دُدُمْ/دُمْ دُدُمْ/دُمْ دُدُمْ/دُمْ دُدُمْ/دُمْ دُدُمْ/دُمْ دُدُمْ

/o//o /o//o /o//o /o//o /o//o /o//o /o//o /o//o

اسأل نفسك الآن: هل غيرت الإيقاع؟ لا.. أنت لم تغير الإيقاع، ولكن البداية بالنسبة لي هي التي تغيرت، فشعرت أنا بالاختلاف.

نستطيع أن نقول –إذن- إننا وصلنا إلى صورتين مختلفتين لإيقاع واحد.. تعال لنؤكد الفكرة بصورة أخرى.

ارسم دائرة.. وعلى محيط الدائرة ارسم الوحدتين الإيقاعيتين السابقتين (//o)، (/o) وكرر ذلك حتى تغلق الدائرة (كرر ذلك 8 مرات)..

 

إذا بدأت من (دُدُمْ) أو (//o)، فسيتكرر معك الإيقاع (دُدُمْ دُمْ) ثماني مرات، وإذا بدأت من (دُمْ)، فسيتكرر معك الإيقاع (دُمْ دُدُمْ) ثماني مرات أيضا. السؤال الآن: هل غيرت شيئا في الرسم؟ الإجابة: لا.. الذي تغير فقط هو نقطة البداية.

الآن.. اعرف هذه المعلومات، ولا تنسها:

1-                      الإيقاع (دُدُمْ دُمْ) أسماه الخليل (فعولن)، والإيقاع (دُمْ دُدُمْ) أُطلِق عليه (فاعلن).. لاحظ أن (فعولن) تساوي (//o/o)، و(فاعلن) تساوي (/o//o).

2-                      الفكرة السابقة التي أشرنا إليها، وهي رسم دائرة وكتابة الوحدات الإيقاعية عليها، تسمى الدائرة العروضية، (هذه الدائرة اسمها المتفق) والدائرة العروضية تصنع إيقاعا متكررا، ولكن اختلاف نقطة بداية الإيقاع يضعنا أمام أشكال مختلفة له، لنجد أنفسنا (على مستوى الشعور) وكأننا أمام إيقاعين هنا؛ الأول: (فعولن X 8 مرات)، وأسماه الخليل (بحر المتقارب)، والثاني: (فاعلن X 8 مرات)، وسمي (بحر المتدارك).

 

 

أولا: بحر المتقارب:

 

عرفت منذ قليل أن بحر المتقارب هو تكرار (فعولن //o/o) 8 مرات.. ستسألني ولماذا 8 مرات تحديدا؟ سأقول لك إن الخليل رأى أن هذا العدد هو ما استخدمه الشعراء (بالأحرى شعراء) لهذا الإيقاع.. نستطيع أن نقول إن هذا هو العدد الأقصى[1] ولكننا ربما نجد أقل من ذلك.. سنرى ذلك بعد قليل.

اعلم الآن فقط -يا صديقي- أن هذا البحر يتكون من تكرار (فعولن أو //o/o أو دُدُمْ دُمْ) 8 مرات، بواقع 4 مرات في كل شطر..

هل يمكنك الآن أن تشد إليك طاولتك لتضرب عليها الإيقاع مجددا ثماني مرات، مع ملاحظة التوقف قليلا بين كل أربع مرات (نهاية الشطر).. هيا بنا نلعب..

والآن.. تعال لنتقمص دور الشاعر.. ها نحن نقرر أن نكتب بيتا من الشعر على هذا الإيقاع.. إيقاع بحر المتقارب (فعولن //o/o).. نريد الآن كلمة على هذا الوزن.. ما رأيك مثلا في كلمة (سلامًا)؟ إنها على هذا الوزن.. تعال لنضع كلمة أخرى بجوارها على الوزن ذاته.. ما رأيك في (صديقي)؟ الآن معنا كلمتان: (سلاما صديقي)، فلنضف كلمة ثالثة، ولتكن مثلا: (فإنِّي).. أما الرابعة، فلنجعلها: (مسافرْ).. هل تعرف ما فعلنا الآن؟ لقد كتبنا شعرا معا يا صديقي.. لقد كتبنا شطرا من الشعر على بحر المتقارب.. ألا تصدقني؟ تعال معا لنكتب هذا الشطر كتابة عروضية، ثم نضع الحركات والسواكن، ونتعرف معا على الوزن.

سلاما صديقي فإني مسافرْ

الكتابة العروضية: سلامن/ صديقي/ فإنني/ مسافر

                  //o/o //o/o //o/o //o/o

هل تأكدت الآن؟ لقد أصبحنا شاعرين يا صديقي.. تعال لنجرب معا، ونحاول أن نكمل هذا البيت.. ماذا لو بدأنا مرة ثانية بالكلمة ذاتها (سلاما)، ثم أضفنا مثلا (وقلْبي)، وبعدها (مليءٌ)، ثم نختم بكلمة (بحزْنِ)؟ الآن أصبح أمامنا هذا الشطر:

سلاما وقلبي مليءٌ بحزنِ

الكتابة العروضية: سلامن/ وقلبي/ مليئن/ بحزني

                  //o/o //o/o //o/o //o/o

ماذا لو حاولت أنت الآن أن تلعب هذه اللعبة؟ ربما يكون داخلك شاعر، وأنت لا تعرف.. افعلها إذن، وأكمل ببيت آخر، ولكن لا تنسَ أنك عندك قيد واحد في اختيار الكلمات (بخلاف الوزن بالطبع).. هذا القيد هو القافية يا صديقي، فراعِها.. وسنتحدث عنها بعد ذلك كثيرا.

الآن.. لنر مثالا من الشعر على بحر المتقارب.. إنه مثال تعرفه بالتأكيد.. مثال يحفظه الكثيرون.. يقول أبو القاسم الشابي:

إذا الشعب يوما أراد الحياةَ      فلابدَّ أن يستجيب القدر

الكتابة العروضية:

إذششعـ/ب يومن/ أراد لـ/حياتا

//o/o   //o/o    //o/o   //o/o

فــلابد/د أن يـسـ/تجيب لـ/قدر

  //o/o     //o/o     //o/o  //o

 

الآن عندنا أكثر من لعبة لنلعبها معا.. الأولى: شد طاولتك أمامك، ودق عليها الإيقاع المكتوب تحت البيت.. كرر ذلك ثلاث مرات.. الآن اقرأ البيت على الإيقاع، وأنت مستمر في الدق.. كرر ذلك ثلاث مرات أيضا.. هذه هي اللعبة الأولى، وستشعر بعدها كيف صنع الشاعر إيقاعه.

اللعبة الثانية: أعد النظر إلى البيت والحركات والسواكن مرة أخرى، وقل لي ماذا تلاحظ.. ألم أقل لك قبل ذلك إنك صديق ممتاز؟ نعم.. أحسنت.. الملاحظة الأولى: أن شاعرنا لم يأتِ بكل كلمة على وزن فعولن وحدها، ولكنه دمج بين الكلمات بحيث يخرج في النهاية بالإيقاع الذي يريد.. نعم يا صديقي.. ما فعلناه نحن لم يكن سوى تسهيل عليك وأنت تخوض مضمار الشعر لأول مرة.. أما الملاحظة الثانية، وهي الأهم، فهي: أن التفعيلة الأخيرة لم تأتِ كاملة.. جاءت فقط (//o) أو (فعو).. اعلم الآن يا صديقي أن التفعيلة الأخيرة في كل شطر (فقط) قد يصيبها تغيير كبير مثل هذا.. هذا مسموح به.. سمح به العروضيون، وأطلقوا عليه العلة.. هناك فقط شرط واحد، وهو التكرار.. إذن يمكنك تغيير إيقاع التفعيلة الأخيرة عن طريق العلل، ولكن يجب عليك أن تلتزم بهذه العلة التي ستستخدمها في كل الأبيات.

والآن.. اعلم أن العلة هي: تغيير يدخل على الأسباب والأوتاد، في التفعيلة الأخيرة من كل شطر (بالمناسبة أطلق على التفعيلة الأخيرة في الشطر الأول العروض وعلى التفعيلة الأخيرة في الشطر الثاني الضرب)، وإذا جاءت تلزم في كل أبيات القصيدة (إلا في حالات استثنائية ربما نتحدث عنها لاحقا).

الآن.. انظر أيضا هذا المثال.. يقول أبو القاسم الشابي في القصيدة ذاتها:

ومن لم يعانقه شوق الحياةِ    تبخّر في جوهــا واندثر

الكتابة العروضية:

ومن لم/ يعانقـ/ـه شوق لـ/ حياتي

//o/o   //o/o    //o/o   //o/o

تبخخـ/ ر في جو/ وها ونـ/ دثر

   //o/     //o/o     //o/o  //o

افعل الواجب المعتاد، واقرأ البيت مع الإيقاع الذي تعزفه على طاولتك.. انظر الآن إلى البيت، والحركات والسواكن، وقل لي ملاحظاتك.. ستلاحظ بالطبع تكرار العلة في المكان ذاته.. ألم نقل إن الشاعر أصبح ملزما بها؟ وبالتأكيد ستلاحظ أيضا أن التفعيلة الأولى في الشطر الثاني جاءت ناقصة.. جاءت (//o/) أو (فعولُ).. كيف حدث هذا؟ لا تقلق.. هذا تغيير مسموح به أيضا، وأسماه العروضيون الزحاف.

الزحاف -يا صديقي- هو تغيير يصيب ثواني الأسباب فقط (أي الصوت الثاني من السبب)، ويكون بحذف متحرك، أو حذف ساكن، أو إسكان متحرك، وإذا أتى هذا التغيير فإنه لا يكون ملزما للشاعر.. (لاحظ أن التغيير حدث هنا بحذف ساكن.. حُذف الخامس الساكن في التفعيلة).

ستقول لي: "ألن يؤثر هذا الحذف الذي حدث على الإيقاع؟ ألن يجعل الزمن مختلفا؟ لقد حذفنا متحركا، وهذا يعني أننا استغنينا عن نصف زمن".. أحب أسئلتك يا صديقي.. الآن أعد قراءة البيت مجددا على الإيقاع، وقل لي ماذا ستلاحظ.. نعم.. إنك مددت صوت الخاء (تبخخا) قليلا، وكأنك تضع ألفا بعدها.. لقد حلت الموسيقى الأزمة كلها، وقامت بما يسميه الموسيقيون التعويض[2].

والآن، نحن على موعد مع مثال ثالث.. يقول الشاعر:

عفـا الله عن ظالمِ     أساء إلى من عـدل

الكتابة العروضية:

عفللا/ ه عن ظا/ لمن    أساء/ إلى من/ عدل

//o/o  //o/o   //o     //o/   //o/o  //o

أنا مشتاق إلى ملاحظاتك.. الملاحظة الأولى: وجود علة هنا في التفعيلة الأخيرة في الشطر الأول (تفعيلة العروض)، ووجود العلة ذاتها في التفعيلة الأخيرة في الشطر الثاني (تفعيلة الضرب).. (من حقك أن تعرف الآن أن هذه العلة التي حدثت هنا، وهي حذف السبب الأخير من التفعيلة، سماها العروضيون علة الحذف).

الملاحظة الثانية: أن التفعيلة الأولى في الشطر الثاني جاء فيها زحاف، حيث حذف الخامس الساكن.. (من حقك أن تعرف الآن أن هذا الزحاف الذي يحذف الخامس الساكن أسماه العروضيون زحاف القبض).

الملاحظة الثالثة: أننا هنا أمام 3 تفعيلات فقط في كل شطر.. لقد سقطت تفعيلة كاملة من كل شطر.. نعم يا صديقي.. ألا تتذكر أننا قلنا إن عدد 8 تفعيلات في البيت يمثل الحد الأقصى؟ هنا استخدم الشاعر حقه في الاستغناء عن تفعيلة كاملة، وهذه الصورة من البحر تسمى الصورة المجزوءة.

هل تعلم أننا الآن انتهينا من بحر المتقارب تماما؟ فقط بقي شيء واحد، وهو أن أقول لك إن هناك علتين أخريين قد تفاجأ بهما في هذا البحر؛ الأولى: (علة القصر وهي حذف الساكن الأخير من التفعيلة هنا، وهي منتهية بسبب خفيف بالطبع، ثم إسكان ما قبلها).. ستصبح (//oo) أو (فعولْ).. أرى الآن في عينيك سؤالين، الأول: "لماذا لم نقل إننا حذفنا الحركة قبل الساكن الأخير؟" لا يا صديقي.. فكرة العلة أنها تصيب من النهاية.. تأكل من الأطراف أو تضيف إليها.. أما السؤال الثاني، فهو: "كيف يكون هناك ساكنان متتاليان؟ ألم تقل لي إن العربية لا يلتقي بها ساكنان؟".. نعم قلت لك هذا، ولكنني قلت أيضا لا يلتقي ساكنان وسط الكلام.. نحن هنا في حالة الوقف، وهي حالة تقبل التقاء الساكنين.

 

أما العلة الثانية فهي: (علة البتر وتحول فعولن إلى (/o) أو (فعْ)، وهذا يعني حذف السبب الأخير، ثم حذف الساكن الأخير في الوتد وإسكان ما قبله.. لا تنسَ أن العلة تأكل من الأطراف أو تضيف إليها.

 

أنت انتهيت الآن من بحر المتقارب.. فهنيئا لي ولك.. وبالطبع سيكون هذا موعدنا مع وجبة دسمة من الألعاب..

 

اللعبة الأولى:

أنت فهمت بالتأكيد كل ما تحدثنا عنه.. لماذا لا تقوم الآن بإكمال ما يلي:

- يتكون بحر المتقارب من...............................................................................

- الصورة المجزوءة من البحر هي التي......................................................................

- أسماء العلل التي تصيب هذا البحر هي:...........، و...........، و...........

- يصيب زحاف ........... بحر المتقارب.

 

اللعبة الثانية:

اختر الكلمة المناسبة إبقاعيًا لتكمل بها البيت التالي:

 

وقالت ليَ الأرض لمّا .....    أيا أمُّ هل تكرهين البشرْ

 

          - قلت       - سألت      - تحدثت   - تكلمت

 

ملاحظة: لكي تصل إلى الاختيار الصحيح اكتب البيت كتابة عروضية ثم اكتب المتحركات والسواكن، وحدد ما تحتاج إليه من حركات وسواكن، ثم اكتب الكلمات التي ستختار من بينها كتابة عروضية أيضا، ثم اكتب حركاتها وسواكنها أيضا.. ستصل إلى الحل الصحيح بالتأكيد.

اللعبة الثالثة:

قارن بين الزحاف والعلة في الجدول التالي:

 

الزحاف
العلة
..............................
..............................
..............................
..............................
..............................
..............................
..............................
..............................
..............................
..............................

 

اللعبة الرابعة:

 

رتب الكلمات التالية لتصنع منها بيتا على بحر المتقارب:

 

الطموح/ أباركُ/ وَمَنْ/ ركوب/ الخطر/ أجابت/ أَهْل/ يستلذُّ

 

ملاحظة: لكي تصل إلى الترتيب الصحيح اكتب كل كلمة كتابة عروضية، ثم اكتب حركاتها وسواكنها، واستحضر صورة بحر المتقارب أمامك، ثم رتب الكلمات وفقا لترتيب الحركات والسواكن في البحر. (ربما تُربكك الزحافات قليلا، ولكنك ستصل إلى الحل الصحيح).

 

اللعبة الخامسة:

البيت التالي على بحر المتقارب، ولكني سأتعمد الآن أن أخطئ في كتابته.. حاول أن تصل إلى موضع الخطأ.. بالطبع ستزن البيت لتعرف مكان الخطأ..

 

وجاء الربيع بنغمه     وأحلامه وصباه العطر

 

اللعبة السادسة:

 

احفظ الأبيات التالية، وحاول أن تغنيها مع إيقاع بحر المتقارب الذي ستعزفه على طاولتك..

 

يقول نزار قباني:  

 

وعدتُكِ أن لا أُحِبَّكِ ثُمّ

أمامَ القرار الكبيرِ جَبُنْتْ

وعدتُكِ أن لا أعودَ... وعُدْتْ  

وأن لا أموتَ اشتياقا ومُتّْ

وعدتُ مرارا وقررتُ أن أستقيلَ مرارا

ولا أتذكَّرُ أني اسْتَقَلتْ[3]...


ثانيا: بحر المتدارك:

 

لقد عرفت أن بحر المتدارك هو شريك المتقارب في الدائرة العروضية، أي أن له الإيقاع ذاته، ولكن البداية فقط هي المختلفة، فإذا كان المتقارب يبدأ بالوتد المجموع (//o)، فإن المتدارك يبدأ بالسبب الخفيف (/o)، وهذا يعني أن بحر المتدارك يتكون من تكرار (/o//o) أو (فاعلن) ثماني مرات أيضا.. هيا.. شد طاولتك إليك وكرر الإيقاع حتى لا تنساه أبدا..

 

الآن سنبدأ باللعبة الأولى التي نلعبها مع كل بحر.. لعبة الشاعر.. سنحاول الآن أن نأتي بكلمات على هذا الوزن (/o//o).. ولنبدأ مثلا بقولنا (هاتها).. انتظر سنغير قليلا.. لن نأتي بكلمة على (/o//o).. سنكتفي فقط بـ(/o).. ولتكن (يا).. الآن مطلوب منا (//o).. سنفعل هذا ولكن لنأخذ أيضا جزءا من التفعيلة الثالثة وليكن (/o).. المطلوب سيكون (//o/o).. ستكون كلمتـنا (صديقي).. من جديد سنكرر هذا، وستكون الكلمة التالية (إلينا).. الآن لم يتبق إلا (//o).. وسنقول مثلا: (هنا).. (بالمناسبة ألا يذكرك هذا بلعبة البازل؟ إنها هي يا صديقي) الآن اكتمل الشطر الأول، فأصبح:

هاتها يا صديقي إلينا هنا

الكتابة العروضية: هاتها /يا صديـ/قي إليـ/نا هنا

                 /o//o  /o//o /o//o /o//o

ولنكمل البيت.. سنبدأ بقولنا: (هاتها) مرة ثانية، ثم نقول مثلا: (واسقني).. إنها على وزن (/o//o).. ماذا لو قلنا مثلا (من)؟ الآن أخذنا (/o)، والمطلوب الآن هو (//o).. ماذا لو قلنا مثلا (شرابِ) سنكون قد أخذنا (//o) التي كنا نريدها، ولكن أخذنا أيضا (/) بعدها، والآن أصبح المطلوب منا (o//o) فقط.. ستقول لي: كيف سنبدأ بساكن؟ سأقول لك.. لنأخذ مثلا كلمة (الهنا).. أليست هذه ألف وصل، وبعدها لام قمرية ساكنة؟ إذن لقد اكتمل البيت (البازل).. الشطر الثاني يقول:

 

هاتها واسقني من شراب الهنا

الكتابة العروضية: هاتها/ وسقني/ من شرا/ ب لهنا

                   /o//o  /o//o  /o//o  /o//o

 

ما رأيك الآن؟ لقد فعلناها للمرة الثانية.. كتبنا شعرا يا صديقي.. هذه المرة على بحر المتدارك.. ستحاول وحدك  بالتأكيد.. وستنجح.. فقط ردد الإيقاع دوما..

وجاء موعدنا مع أمثلة من الشعر لنرى ماذا يفعل الشعراء في هذا البحر.. يقول أحمد شوقي:

 

مضناك جفاهُ مرقدهُ       وبكاه ورحَّم عوَّدُهُ

 

الكتابة العروضية:

مضنا/ ك جفا/ هو مر/ قدهو

/o/o   ///o  /o/o   ///o

وبكا/ ه ورحـ/ حم عو/ ودهو

///o    ///o   ///o   ///o

 

أنا الآن على أحر من الجمر لمعرفة ملاحظاتك.. ملاحظاتك دوما رائعة.. نعم.. الملاحظة الأولى: ستقول لي: "لماذا أشبعت الهاء في كلمة (جفاه)؟ أنت قلت لي إن الإشباع لا يكون إلا في النهاية فقط".. هذا صحيح يا صديقي، ولكن هذه حالة استثنائية.. تذكرها الآن جيدا.. يمكننا إشباع الضمير فقط إذا كان البيت سيكسر (أي سيختل إيقاعه) دون هذا الإشباع.. هذه رخصة جديدة نمتلكها، فلا تنسَ استخدامها عند الحاجة..

الملاحظة الثانية: ستقول لي: "أنا لم أر (فاعلن) أو (/o//o) مطلقا.. رأيت في البداية (///o) فمن أين جاءت هذه؟".. لقد نسيت –إذن- يا صديقي ما قلناه عن الزحاف.. ألا تذكر أن الزحاف هو تغيير يصيب ثواني الأسباب؟ هذا ما حدث.. لقد حذفنا الثاني الساكن في التفعيلة، فأصبحت (/ //o) أو (فَـعِلن).. هذا الزحاف يسمى (الخبن)، ويأتي كثيرا في بحر المتدارك.. أصبح الأمر واضحا الآن.. أليس كذلك؟

الملاحظة الثالثة: ستقول لي: "وماذا عن هذه الصورة (/o/o)؟ هذه صورة غريبة جدا".. نعم.. معك كل الحق في هذا.. يقول العروضيون[4] إن الذي حدث هنا هو حذف المتحرك الأول في بداية الوتد، فتتحول (/o//o فاعلن) إلى (/o /o فا لن).. ستقول لي بالطبع: "ما هذا؟ هذا تغيير في الوتد، وأنت قلت لي إن الزحاف يأتي فقط في ثواني الأسباب".. اهدأ يا صديقي.. أنت معك حق بالطبع.. لكن هذه علة وليس زحافا.. ستشتعل غضبا أكثر قائلا: "أنت قلت لي إن العلة تأتي في التفعيلة الأخيرة فقط من كل شطر (العروض والضرب)، وهذا التغيير أتى في تفعيلة أخرى في البيت (الحشو.. الحشو هو باقي تفعيلات البيت).. كما أنك قلت لي إن العلة تصيب التفعيلة من النهاية".. كل هذا صحيح يا صديقي.. ولكن هذه علة شاذة.. هكذا قال العروضيون، ونحن هنا نعرض ما قالوه لنا[5].. هذه علة تجري مجرى الزحاف.. تأتي في الحشو مثل الزحاف، وغير ملزمة مثل الزحاف، ولكنها تصيب الوتد مثل العلة (هي بروحين إذن.. فيها صفات من العلة وصفات أخرى من الزحاف.. بالمناسبة هذه العلة تسمى التشعيث).

الآن انتهت ملاحظاتنا على هذا البيت.. فلنرَ بيتا آخر:

 

هذه دارهم أقفرت      أم زبورٌ محتها الدهور

 

الكتابة العروضية:

هاذهي/ دارهم/ أقفرت      أم زبو/ رن محتـ/ هددهورْ

/o//o   /o//o   /o//o        /o//o     /o//o    /o//oo

 

ماذا عن ملاحظاتك هذه المرة؟ ألم أقل لك إنك صديق ممتاز؟.. الملاحظة الأولى: ستقول: "هذه صورة مجزوءة لبحر المتدارك".. نعم.. لقد فقدنا هنا تفعيلة من كل شطر.. أصبح البيت مكونا من 6 تفعيلات بواقع 3 تفعيلات في كل شطر..

وماذا عن الملاحظة الثانية؟ أسمعك تقول: "إن التفعيلة الأخيرة بها ساكن زائد في النهاية.. وهذا بالتأكيد نوع من العلل، فقد أصاب التفعيلة الأخيرة، مضيفا إلى نهايتها (الوتد المجموع) ساكنا".. هذا صحيح جدا.. هذه علة زيادة وقد أسماها العروضيون التذييل.

ولنذهب إلى بيت جديد.. يقول الشاعر:

لا تكن للجوى ناصحا    يُعجز الطبَّ ميْتُ الغرامِ

الكتابة العروضية:

لا تكن/ للجوى/ ناصحن     يُعجز ط/ طبب ميـ/ ت لغرامي

/o//o   /o//o   /o//o       /o//o     /o//o    /o//o/o

 

ما رأيك في هذا البيت؟ طبعا هذه صورة مجزوءة، ولكننا سنجد هنا ملاحظة جديدة.. ستقول لي: "هناك علة زيادة في نهاية البيت.. لقد أضفنا سببا خفيفا، فأصبحت التفعيلة (/o//o /o)".. نعم يا صديقي.. هذا ما حدث.. وهذه العلة تسمى الترفيل.

لقد انتهينا الآن من بحر المتدارك.. وحان وقت اللعب..

 

اللعبة الأولى:

أكمل ما يلي وفقا لما فهمت:

 

- زحاف الخبن هو........................................ ويصيب كثيرا بحر............

- علة......... هي علة شاذة تجري مجرى الزحاف، وتحول تفعيلة (فاعلن) إلى....................

- علة التذييل هي.......................................

- علة الترفيل هي......................................

 

اللعبة الثانية:

اختر الكلمة المناسبة إيقاعيًا لتكمل بها البيت:

 

يا ليل الصب متى غده     أقيام ........ موعده

 

- البَشر      - الحشر       - الساعة       - الناس

 

....... حلفت بيوسفِه       والسورة أنك مفرده

 

- الجمال     - الحسن       - الإبداع       - العظمة

 

 

اللعبة الثالثة:

رتب الكلمات التالية لتصنع منها بيتا على بحر المتدارك:

 

تٌبْعثُ/ كلُّ/ يدها/ مقطِّعةٍ/ وتمنّت/ لو/ تشهدُه

 

اللعبة الرابعة:

البيت التالي على بحر المتدارك، ولكني سأتعمد الآن أن أخطئ في كتابته.. حاول أن تصل إلى موضع الخطأ

 

جحدت عيناك زكي دمي     أهكذا خدك يجحده

 

اللعبة الخامسة:

 

احفظ الأبيات التالية، وحاول أن تغنيها مع إيقاع بحر المتدارك الذي ستعزفه على طاولتك..

 

يقول الحصري القيرواني:[6]

   يا ليل الصب متى غـده؟    أقيام الساعة موعـــده
   رقـد الســـــــــــــمار فــــــــأرقــــــه      أسـف للبـين يــردده
   كلف بغزال ذي هيـــف    خوف الواشين يشــرده
  
نصبت عيناي له شركــا     في النوم فعز تـصيـده
  
يا من جحدت عيناه دمـي      وعــلى خديـه تورده
   خداك قد اعتـرفا بدمــي     فعـلام جفونك تجحـده
 



[1] سنناقش هذه الفكرة لاحقا بكل تأكيد.
[2] سيكون لنا وقفة كبيرة لاحقا مع هذه الفكرة.
[3] هذه القصيدة تغنيها ماجدة الرومي.. يمكن أن تستمع إليها لتساعدك على الحفظ.
[4] الموسيقى تحل المشكلة، وهذا سيكون محور حديثنا لاحقا.
[5] هذه القضية تحتاج إلى الكثير من النقاش، ولا حل لها إلا من خلال درس الموسيقى والتعرف على إيقاعاتها المختلفة.
[6] هذه القصيدة تغنيها فيروز.. يمكن أن تستمع إليها لتساعدك على الحفظ.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كيف تلعب العروض؟

الشعر العربي الحديث

من أعمال الطلاب