القافية


 

ما القافية في رأيك يا صديقي؟ ستقول لي إن هذا هو الشيء الوحيد الذي يعرفه الجميع عن الشعر.. إن القافية هي الصوت الذي يتكرر في نهاية الأبيات.. أتعلم أن هذا غير صحيح؟! أو لنقل إنه ليس دقيقا.. هذه مفاجأة لك.. أليس كذلك؟ ولكن اعلم أن القافية لها تعريفات متعددة لكننا سنقف عند التعريف الأكثر استقرارا عند العروضيين، ويعود إلى الخليل ذاته.

تعال الآن لنلعب لعبة القافية بشكل مختلف.. تعال لننظر إلى أي إيقاع من الإيقاعات التي درسناها.. فلنر مثلا بحر الوافر.. تذكره بالطبع.. هذا هو الإيقاع..

دُدُمْ دُدُدُمْ/ دُدُمْ دُدُدُمْ/ دُدُمْ دُمْ     دُدُمْ دُدُدُمْ/ دُدُمْ دُدُدُمْ/ دُدُمْ دُمْ

مفاعلتن   مفاعلتن   فعولن       مفاعلتن   مفاعلتن  فعولن

 

تعال لننظر إلى النهاية يا صديقي.. أنت تتذكر أننا قلنا عن العلة إنها ملزمة.. نعم.. لا يُسمح إذن بأي تغيير في موضع النهاية، فإذا حدث تغيير ما فإنه يكون في البيت الأول، ويلزمه الشاعر بعد ذلك.. كل هذا واضح وأنت تعرفه جيدا..

لكن ألم تفكر في أن النهاية في كل الأحوال ستكون واحدة على مستوى الإيقاع؟ نعم.. نحن سننتهي دوما، وفي أي بحر من البحور بـ(دُم).. تذكر دوما أننا لن نقف على متحرك، فلدينا دقة ثم سكتة.. هذا طبعا باستثناء الصور التي يتوالى فيها ساكنان في النهاية.. هذا موضوع آخر سنتحدث عنه لاحقا..

لنعد الآن إلى الفكرة التي نتحدث عنها.. نحن أمام (دم) دائما في النهاية.. كيف نفرق إذن بين نهايات الإيقاعات المختلفة؟ كيف تشعر أذننا بنهاية مختلفة للإيقاعات المتعددة وصورها المختلفة؟ الإجابة يا صديقي أننا في حاجة إلى أن تسمع أذننا نغمة واحدة في النهاية، أو بالأحرى وحدة إيقاعية كاملة تتكرر دوما في كل الأبيات في القصيدة الواحدة.

تتذكر بالطبع وحداتنا الإيقاعية.. عندنا السبب الخفيف (دُم).. والوتد المجموع (دُدُمْ)، والفاصلة الصغرى (دُدُدُمْ)، والفاصلة الكبرى (دُدُدُدُمْ).. الآن ستجد دوما في نهاية كل إيقاع وحدة من هذه الوحدات تتكرر في الأبيات جميعها.. وسيكون منطقيا أن أقول لك إن نقطة البداية لأية وحدة من هذه الوحدات ستكون (دُمْ) سابقة عليها..

الخلاصة يا صديقي أننا ستكون عندنا نغمات مختلفة في النهاية، ولكن الشاعر إذا أتى بنغمة ما سيكون ملزما بها.. هذه النغمات ستكون كالتالي:

1-              /o /o  دُمْ دُمْ

2-              /o //o دم دُدُمْ

3-              /o ///o دُمْ دُدُدُمْ

4-              /o ////o دْمْ دُدُدُدُم

5-              هذا طبعا بالإضافة إلى الصورة التي يتوالى فيها ساكنان، وهي /oo دُومْ.

 

الآن أستطيع أن أقول لك وأنا مستريح البال تعريف القافية.. القافية هي: "مجموعة الحروف التي تبدأ بالمتحرك الذي يسبق آخر ساكنين في البيت".. انظر لكل الصور التي ذكرناها وستجد أن هذا التعريف ينطبق عليها، فهناك دوما متحرك في البداية ثم ساكنان بعده، وبالطبع يفصل بين هذين الساكنين حركة أو عدد من الحركات، وربما لا يفصل بينهما فاصل.. الأمر الآن أصبح واضحا.. أليس كذلك؟

بقي هنا فقط أن أقول إن العروضيين كعادتهم شغلوا بإطلاق الأسماء على هذه النغمات (القوافي) المختلفة، فأطلقوا على (/o ////o دُمْ دُدُدُدُمْ) اسم المتكاوس، و(/o ///o دُمْ دُدُدُمْ) اسم المتراكب، و(/o //o دم دُدُمْ) اسم المتدارك، و(/o /o دم دم) اسم المتواتر، و(/oo دومْ) اسم المترادف.

تذكر إذن أن القافية هي "مجموعة الحروف التي تبدأ بالمتحرك الذي يسبق آخر ساكنين في البيت"، أما علم القافية يا صديقي، وهو موضوعنا طبعا، فهو العلم الذي يدرس القافية وحروفها وحركاتها ولوازمها وعيوبها.. تذكر ذلك، وسنذكره تفصيلا فيما يأتي.

والآن ما عليك إلا أن تلعب معنا هذه اللعبة.. حدد القافية في الأبيات التالية.. وسأبدأ أنا بالبيت الأول معك:

1-              قـالَتْ كَحَلتَ الجُفونَ بِالوَسنِ

قُـلتُ اِرتِـقابا لَطيفِكِ الحَسنِ

الكتابة العروضية:

قالت كحلـ/ تلجفون/ بلوسني   قلت رتقا/ بن لطيف/ كلحسني

/o/o//o   /o//o/  /o///o   /o/o//o  /o//o/   /o///o

القافية هنا: (كلحسني /o///o) قافية المتراكب.

 

2-              يا ليل الصب متى غده؟    أقيام الساعة موعده

.........................................................

........................................................

 

3-              يـا سكري يـا عسلي     يـا درتـي يا ذهـبـي

.........................................................

........................................................

4-              سلوا قلبى غداه سلا وثابا    لعل على الجمال له عتابا

.........................................................

........................................................


الآن لنبدأ معا في استخدام لعبة الملاحظات.. سنأخذ مجموعة من الأبيات من قصيدة واحدة.. سنحدد القافية معا، وعليك فقط ملاحظة الأصوات المتكررة داخل القافية:

 

يقول أحمد هيكل:

لمن النور يغمر الأرجاء   ويحيل الظلام فيها ضياء

                                                 ياءا

                                                 /o/o

أهو الفجر قد تقدم جيشا   رفع النور في يديه لواء

                                                 واءا

                                                 /o/o

إنه نور وجه خير وليد    هبط الأرض باسما وضاء

                                                 ضاءا

                                                 /o/o

 

ماذا لاحظت يا صديقي؟ نعم الملاحظة الأولى كنا قد اتفقنا عليها، وهي أن عدد الأصوات وترتيبها من حيث الحركات والسواكن واحد، فهناك نغمة واحدة ثابتة متكررة في النهاية، وهي (دم دم /o/o).. أما الملاحظة الثانية بالتأكيد فهي أن هناك بعض الأصوات تتكرر داخل القافية، وهي من النهاية (الألف) الناتجة عن الإشباع، وهذا يعني بالضرورة أن الحرف السابق عليها (الهمزة)، عليه (فتحة) في كل الأحوال، ثم سنجد (الهمزة) متكررة، وقبلها (ألف) أخرى تتكرر دوما، وبالطبع قبلها حرف عليه (فتحة).. أما الملاحظة الثالثة فهي أن هناك صوتا واحدا لا يتكرر، وهو ما قبل الألف، فجاء مرة (ي)، ومرة (و)، ومرة (ض).. نستطيع الآن أن نقول بأن القافية يكون فيها عدد الأصوات وترتيبها (الكم) واحد، وأن هناك بعض الأصوات يجب أن تتكرر فيها، بينما توجد أصوات أخرى لا يجب تكرارها.. هذه هي الخلاصة فلا تنسها أبدا.

الآن سيكون السؤال: وما الأصوات التي يجب أن تتكرر؟ أحب أسئلتك كثيرا.. ألم نقل إن علم القافية يدرس حروفها؟ هذا هو موعدنا مع حروف القافية يا صديقي..

إن أهم الحروف يا صديقي، وهو الحرف الذي ستجده دوما في أي قافية.. إنه الحرف الذي ظللت أنت تسميه بالقافية طوال سنوات عمرك الماضية.. إنه الحرف الذي تبنى عليه القصيدة وتسمى باسمه.. ألم تدرس سينية البحتري، ولامية كعب، والهمزية النبوية، وغيرها؟ هذا الحرف يا صديقي يسمى حرف (الروي)، فاعلم ذلك.. واعلم أيضا أن هذا الحرف لن يكون (غالبا) ألفا ولا ياء ولا واوا ولا هاء.. استبعد هذه الحروف إذن، ولا تفكر فيها[1]..    

الآن أصبحت اللعبة واضحة.. سنأتي من النهاية، فإذا وجدنا حرف مد أو هاء، فلا تتوقف عنده، وهات الحرف السابق عليه، وقل هذا هو حرف الروي.. لعبة سهلة يا صديقي..

لنطبق هذا على البيت التالي:

 

إذا الشعب يوما أراد الحياة      فلا بد أن يستجيب القدر

                                                   بلقدر

                                                 /o//o

 

القافية هنا هي: (بلقدر /o//o) المتدارك، والروي هنا هو الراء، وبالطبع لابد أن يكون مكررا في كل أبيات القصيدة.. لا تصدق؟ انظر معي البيت التالي في القصيدة ذاتها:

 

ولا بد لليل أن ينجلي        ولا بد للقيد أن ينكسر

                                              ينكسر

                                             /o//o

 

القافية هنا: (ينكسر /o//o) المتدارك، والروي هنا هو الراء.. هل لا حظت يا صديقي أن عدد الأصوات وترتيبها واحد من حيث المتحركات والسواكن، ولكن هناك صوتا واحدا فقط هو الذي تكرر في البيتين، وهو الروي (الراء).. ألم نقل إن هناك بعض الأصوات تتكرر، وهناك أصوات أخرى لا تتكرر؟ لاحظ كذلك يا صديقي أن الروي هنا جاء ساكنا، وهذا نسميه رويا مقيدا، فاعلم ذلك أيضا.

 

ولنذهب إلى مثال آخر:

ريم على القاع بين البان والعلم    أحل سفك دمي في الأشهر الحرم

                                                     رلحرمي

                                                      /o///o

 

القافية هنا هي: (رلحرمي /o///o) المتراكب، ولكن لاحظ هنا أن الحرف الأخير (ياء)، والسؤال الآن هل يمكن أن يكون رويا؟ والإجابة لا؟ إذن اتركه (مؤقتا) وانظر إلى الحرف السابق عليه.. إنه (الميم).. هذا هو الروي يا صديقي.. ولكن لاحظت أيضا بالتأكيد أن الروي هنا متحرك، وهو ما نسميه رويا مطلقا.. واعلم أيضا أن حرف (الياء) الذي تركناه منذ قليل، يسمى (الوصل)، ولابد أن يلتزم به الشاعر في كل أبيات قصيدته.. هذا هو ثاني حروف القافية يا صديقي فلا تنسه أبدا.. الوصل هو: حرف المد (ا، و، ي) الناتج عن إشباع الروي المطلق، وقد يكون هاء تالية للروي مباشرة.

انظر معي البيت الثاني في القصيدة ذاتها:

رمى القضاء بعيني جؤذر أسدا    يا ساكن القاع أدرك ساكن الأجم

                                                     نلأجمي

                                                      /o///o

القافية هنا هي: (نلأجمي /o///o) المتراكب.. والآن.. ماذا تلاحظ هنا؟ الملاحظة الأولى: عدد الأصوات وترتيبها واحد كما قلنا سابقا (الكم).. الملاحظة الثانية: الروي هو (الميم)، وقد التزم به الشاعر.. الملاحظة الثالثة: الوصل هو (الياء)، وقد التزم به الشاعر كذلك.

وننتقل إلى بيت آخر لنتتبع فيه القافية:

 

مضناك جفاه مرقده    وبكاه ورحم عوده

                                        عوودهو

                                       /o///o

لم يعد الأمر صعبا عليك.. تستطيع أن تقول إن القافية هنا هي: (عوودهو /o///o) المتراكب.. أما الملاحظة الأولى فهي أن الحرف الأخير هنا هو (الواو)، وهذا طبعا لا يصلح لأن يكون رويا كما تعرف.. فلنذهب إلى الحرف السابق عليه.. إنه (الهاء)، وهو كذلك لا يكون رويا.. ماذا سنفعل؟ سنذهب إلى الحرف الذي يسبقه.. إنه (الدال).. هذا هو الروي يا صديقي.. الآن سنعود إلى (الهاء) قلنا إن الوصل يمكن أن يكون هاء.. هذا هو الوصل إذن.. والآن ماذا عن (الواو) الناتجة عن إشباع الوصل المطلق (الهاء المتحركة).. اعلم أن هذا أيضا سيلتزم به الشاعر في كل بيت من أبيات قصيدته، ويسمى الخروج.. الخروج يا صديقي هو ثالث حرف من حروف القافية، وهو حرف المد الناتج عن إشباع الوصل إذا كان هاء متحركة.

نذهب الآن إلى بيت جديد:

سكت فغر أعدائي السكوت     وظنون لأهلي قد نسيت

                                                   سيتو

                                                  /o/o

 

القافية هنا: (سيتو /o/o) المتواتر، وستبدأ أنت في رصد حروف القافية التي تعرفها.. ستقول إن الروي هنا هو (التاء)، والوصل هو (الواو).. سنذهب إلى بيت آخر في القصيدة ذاتها لنتبين شيئا بالغ الأهمية..

 

وكيف أنام عن سادات قوم    أنا في فضل نعمتهم ربيت

                                                   بيتو

                                                  /o/o

ماذا لاحظت يا صديقي؟ ستقول طبعا إن القافية هنا واحدة من حيث الكم، كما أن الشاعر قد التزم بالروي (التاء) والوصل (الواو).. ألا تلاحظ شيئا آخر قد التزمه الشاعر؟ نعم يا صديقي لقد التزم بوجود حرف المد السابق على الروي، وهو هنا (الياء).. اعلم أن هذا يسمى الردف.. الردف هو حرف مد أو لين (ا، و، ي)، يسبق الروي مباشرة.. لن تنساه بالطبع.. ولكن هناك ملاحظة صغيرة هنا يجب ألا تنساها أيضا، وهي أن الشاعر يمكنه على سبيل الرخصة أن تتبادل الواو والياء هذا المكان، ولكنه يجب أن يلتزم بالألف إذا جاء في هذا المحل.. انظر البيت التالي من القصيدة نفسها.. يقول عنترة:

ولي بيت علا فلك الثريا      تخر لعظم هيبته البيوت

                                                   يوتو

                                                  /o/o

أرأيت يا صديقي.. لقد جاءت الواو هنا ردفا محل الياء.. الأمر الآن أصبح واضحا.. إذا جاء الشاعر بردف التزم به دوما.. مع إمكانية التبادل بين الواو والياء، ولا يجوز ذلك مع الألف.

ننتقل الآن إلى بيت جديد..

وإذا أتتكَ مذمّتي من ناقصٍ     فهي الشّهادةُ لي بأني كاملُ

                                                    كاملو

                                                    /o//o

 

القافية هنا هي: (كاملو /o//o) المتدارك.. أين الروي يا صديقي؟ نعم.. إنه (اللام)، وأين الوصل؟ إنه (الواو)، ولا يوجد خروج بالطبع، فالوصل ليس هاء، كما لا يوجد ردف، فلا يوجد حرف مد أو لين يسبق الروي مباشرة.. الآن انظر إلى البيت الأول في القصيدة ذاتها..

 

يقول المتنبي:

لَكِ يا مَنازِلُ في القُلوبِ مَنازِلُ       أقفَرْتِ أنْتِ وهنّ منكِ أواهِلُ

                                                      واهلو

                                                    /o//o

 

ما رأيك الآن؟ ما الحرف الذي التزمه الشاعر في القافيتين، مع الروي والوصل بالطبع؟.. نعم يا صديقي.. إنه حرف الألف الذي يفصل بينه وبين الروي حرف.. اعلم أن هذا الألف يسمى (التأسيس)، وإذا جاء الشاعر به في البيت الأول فقد أصبح لزاما عليه أن يلتزم به في كل أبيات القصيدة.. ولا يكون التأسيس إلا ألفا.. بقي هنا أن أقول لك إن الحرف الذي يفصل بين الروي والتأسيس يسمى (الدخيل)، ولكن الشاعر لا يلتزم بهذا الحرف.. نعم يكون هناك دخيل في كل أبيات القصيدة مادام التأسيس موجودا، ولكن الشاعر لا يلتزم بالحرف ذاته.. انظر البيتين السابقين.. لقد جاء الدخيل (الميم) مرة، و(الهاء) مرة.

ولم يعد خافيا عليك بالطبع أن التأسيس والردف لا يجتمعان في قافية واحدة.. هل يجتمع حرفان ساكنان يا صديقي؟!

الآن يا صديقي انتهينا من حروف القافية.. نعم هي ستة أحرف.. لا تنسها مطلقا.. ولكي تتأكد من ذلك هيا لنلعب هذه اللعبة.

 

اللعبة الأولى: أكمل الآتي:

 

الروي هو:..................................................

الوصل هو:..................................................

الخروج هو:.................................................

الردف هو:..................................................

التأسيس هو:.................................................

الدخيل هو:..................................................

 

اللعبة الثانية:

حدد القافية وحروفها في الأبيات التالية:

 

- يا رب بالمصطفى بلغ مقاصدنا

  والطف بنا في القضا يا واسع الكرم

 

- عفت الديار محلها فمقامـا  

                               بمنى تأبــد عولها فرجامهـــا

 

- أجل إن  ذا يوم لمن يفتدي مصرا

فمصر هي المحراب والجنة الكبرى


قلنا إن علم القافية يدرس حروف القافية وقد تحدثنا عنها، ويدرس حركاتها، وحان وقت الحديث عنها.. إن الأمر يسير جدا يا صديقي ومنطقي أيضا..

سنلعب لعبة التخمين.. إنها أفضل الألعاب في حالتنا هذه.. يا صديقي لقد عرفت الروي المطلق (المتحرك).. أنت تشبعه بالطبع لينتج عندنا الوصل.. وعرفت أن الوصل لا يمكن تغييره.. تتذكر ذلك قطعا.. سؤالي الآن: هل يمكن وفق ذلك أن يتغير ضبط حرف الروي؟ ألم أقل لك إنك صديق رائع؟ نعم يا صديقي.. مادام الوصل واحدا فقد وجب أن تكون حركة الروي واحدة.. هذه الحركة يا صديقي هي أولى حركات القافية التي يلتزم بها الشاعر، وتسمى المجرى.

 

انظر هذا البيت وحدد المجرى فيه:

إن الرسول لنور يستضاء به    مهند من سيوف الله مسلولُ

 

أحسنت يا صديقي.. الروي هنا هو اللام، وهو مطلق (متحرك)، ومن ثم فإن (الضمة) على اللام هنا تسمى المجرى، وهي تلزم بالطبع.

الأمر ذاته يا صديقي ينطبق على حركة حرف الوصل إذا جاء هاء.. نحن بالضرورة سنشبع هذه الحركة، وسينتج عنها حرف الخروج، وهو من الحروف التي يلزمها الشاعر، ومن ثم فإن الحركة التي تولده لابد أن تكون ثابتة لا تتغير، وقد سميت هذه الحركة (النفاذ).. اعلم الآن أن النفاذ هو حركة الوصل إذا جاء هاء مطلقة.

انظر هذا البيت وحدد المجرى والنفاذ فيه:

وإنْ بابُ أمرٍ عليك التوى    فشاورْ حكيمًا ولا تَعْصِهِ

 

المجرى هنا طبعا هو الكسرة تحت الروي (الصاد)، أما النفاذ هنا فهو الكسرة تحت الوصل (الهاء).

الحركات إذن مرتبطة بحروف القافية.. ازداد الأمر سهولة.. الآن سننظر إلى حروف القافية المتبقية، والحركات المرتبطة بها.. عندنا الحركة السابقة على الردف.. إن الردف من الحروف التي إذا جاء بها الشاعر التزم بها، ولأن الردف حرف مد أو لين، فقد وجب على الشاعر الالتزام بالحركة السابقة عليها.. ولكن تذكر أن الردف يمكن أن يكون واوا وياء في القصيدة الواحدة.. أحسنت يا صديقي.. سمعتك وأنت تقول إن الحركة إذن يمكن أن تكون ضمة وكسرة في القصيدة ذاتها، أما إذا جاءت فتحة فستلزم.. اعلم الآن أن الحركة السابقة على الردف سميت الحذو.

انظر هذا البيت وحدد المجرى والحذو فيه:

ولستُ أرى السعادة جمع مالٍ      ولكنَّ التقيَّ هو السعِيدُ

      الأمر يسير بالطبع الآن.. ستقول لي إن المجرى هو الضمة على الروي (الدال)، أما الحذو فهو الكسرة تحت العين السابقة على الردف (الياء).

الحركة الرابعة بالطبع أنا متأكد أنك تفكر فيها الآن.. نعم إنها الفتحة قبل ألف التأسيس.. لاحظ أنني قلت الفتحة، فهي لا تأتي سوى فتحة.. أليست سابقة على الألف؟! هذه الفتحة السابقة على ألف التأسيس تسمى (الرس).

انظر هذا البيت وحدد المجرى والرس فيه:

إذا كان غيرُ الله للمرء عدةً     أتته الرزايا من وجوهِ الفَوَائدِ

 

لم نعد في حاجة إلى تدقيق الملاحظة فالأمر سهل جدا.. المجرى هنا هو الكسرة تحت الروي (الدال)، أما الرس فهو الفتحة على الواو السابقة على التأسيس (الألف).

والآن نفكر في حرف آخر من حروف القافية.. إنه الدخيل.. ستقول لي: "ولكنك قلت لي إن الدخيل يتغير من بيت لبيت آخر".. نعم يا صديقي، ولكن اعلم أن حركة الدخيل لا يجب أن تتغير.. هي من اللوازم إذن، وقد سميت بالإشباع.. نعم درست قبل ذلك الإشباع، ولكنه هنا ليس الذي تعرفه.. فقط تشابه أسماء.

الإشباع إذن في البيت السابق هو الكسرة تحت الدخيل (الهمزة).

بقي الآن حركة واحدة من حركات القافية، وهي ملزمة أيضا.. إنها الحركة السابقة على الروي المقيد (الساكن).. هذه الحركة تسمى (التوجيه)، ولكن عليك أن تعلم أن هذه الحركة لا تأتي في وجود حرف الدخيل، فالدخيل يسبق الروي وأنت عرفت أن حركته تسمى الإشباع.. هذا يعني أن الإشباع والتوجيه لا يجتمعان مطلقا، كما لا يجتمع قطعا التوجيه والمجرى.. هل نسيت أن المجرى هو حركة الروي المطلق، والتوجيه هو حركة ما قبل الروي المقيد.. هل يجتمع روي مطلق وآخر مقيد في قافية واحدة يا صديقي؟!

انظر هذا البيت وحدد التوجيه فيه:

العبدُ حرٌ إن قنِعْ       والحرُّ عبدٌ إنْ طَمِعْ

 

ستقول لي إن الروي هنا مقيد (العين الساكنة)، وبالتالي فإن التوجيه هو الكسرة تحت الميم السابقة على العين.

انتهينا الآن من حركات القافية، كما انتهينا من لوازم القافية.. نعم لقد عرفت الحروف التي يجب أن يلتزم بها الشاعر في كل الأبيات، كما عرفت الحركات اللازمة أيضا.. خذ وقتا من الراحة الآن قبل أن تبدأ في ممارسة ألعابنا المعتادة.

 

اللعبة الأولى: أكمل الآتي:

 

المجرى هو: .................................................

النفاذ هو: ..................................................

الحذو هو: .................................................

الرس هو: ..................................................

الإشباع هو: .................................................

التوجيه هو: .................................................

 

اللعبة الثانية:

حدد القافية وحروفها وحركاتها في الأبيات التالية:

 

- وكن رجلا سهلَ الخليقة في الورى

وشيمتهُ إن أغضبوه التَّسَاْمُحُ

 

- قَد قسَّم الله بين الخلقِ رزقَهُمُ

لم يخلُقِ اللهُ من خَلْقٍ يُضَيِّعُهُ

 

- يا سمـــوا لن يسامــى         إن قلبي فيـــك هامــا


الآن لم يبق لنا في القافية إلا أن نعرف عيوبها.. وسنلعب الآن لعبة الملاحظة، وستعرف أنت العيب وحدك.. اقرأ البيتين التاليين وقل لي ماذا ترى..

 

لا بأسَ بالقومِ من طولٍ ومن قصرٍ    جسمُ البغالِ وأحلامُ العصافيرِ

كــأنّهم قَصـَبٌ جوفٌ أسافلــهُ    مُثـقَّبٌ نفختْ فيه الأعاصيرُ

 

سأسهلها عليك يا صديقي.. ما المجرى هنا؟ تتذكر أن المجرى هو حركة الروي المطلق.. إذن هو (الكسرة) تحت الراء في (العصافير).. ما هذا؟ لكنه جاء ضمة في البيت التالي.. ألم أقل لك إن المجرى من لوازم القافية؟ إذن فالشاعر هنا لم يلتزم بالمجرى، وهذا عيب من عيوب القافية.. وقد سمى العروضيون هذا العيب إذا كان الاختلاف بين كسر وضم كما في المثال السابق (الإقواء). أما إذا كان الاختلاف بين كسر وفتح أو فتح وضم فقد سماه العروضيون (الإصراف).

واعلم الآن أن تغيير أي لازم من لوازم القافية يعد عيبا من عيوبها، وسمي سنادا، وهو أنواع عدة، وهي:

1-              سناد التأسيس: يعني أن تتضمّن قافية البيت ألفَ التأسيس، وتخلو منه قافية البيت الّذي يليه.

2-              سناد الإشباع: يعني اختلاف حركة الدخيل.

3-              سناد الردف: يعني أن تتضمّن قافية البيتِ ردفًا وتخلو منه قافية البيت الّذي يليه.

4-              سناد التوجيه: يعني اختلاف حركة ما قبل الروي المقيد (التوجيه).

بالطبع هناك عيوب أخرى رصدها العروضيون في القافية وحذروا منها، ولكن هذه هي أهم هذه العيوب، فتذكرها جيدا، واحذرها إذا كنت تريد أن تكون شاعرا كلاسيكيا عظيما. نعم إذا كنت تريد أن تكون كلاسيكيا، فقد هُدمت كل هذه القواعد يا صديقي عبر العصور المختلفة.. لم يتوقف المبدعون عن هدم هذا المقدس الأعظم في الشعر العربي (القافية)، بل تخلوا عنها تدريجيا.. فقط أردنا أن نعرفك ما هي، فإن أردت الالتزام بها فعلت، وإن لم ترد، فلتخرج على قواعدها مختارا، وأنت على علم بها.

 

 



[1] توقف علماء العروض كثيرا عند الحروف التي يمكن أن تأتي رويا، ولكن هذا ليس مجال بسط الحديث عن ذلك الأمر.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كيف تلعب العروض؟

الشعر العربي الحديث

من أعمال الطلاب