حوار مُتخيـَّل!

في أحدِ المشاهدِ المُتخيَّلَة، قرّر عباس العقاد وميخائيل نُعيْمة زيارة أحمد زكي أبو شادي، فجَرَتِ الأحداثُ كالتالي([1]):

 

يدخلُ العقاد وميخائيل على أبي شادي في تلك اللحظة التي ينتشرُ فيها صوتُ (السِّت) عبر الجرامافون قائلًا:
   ما ضَرَّ لو جَعَلَتْ كَأْسِي مراشِفَها                              ولو سَقَتْني بصافٍ من حُمَيَّاها
 
يظهرَ على وجه العقاد الضجرُ الشديد الذي يلاحظُهُ أبو شادي فيذهبُ مسرعًا لإغلاق الجرامافون..
يجلسُ العقاد وقد ذهب ضيقُهُ بعض الشيء قائلا:
 
 
 
أَمَا آن الأوانُ لهذه الأصنام أن تتحطّم؟
ينظرُ ميخائيل إلى أبي شادي مبتسمًا ابتسامةً ساخرة...
يُكملُ العقاد:
 
 
الموسيقا هي التي أعطت لهذا الكلامِ قيمة، فهؤلاء الكلاسيكيون نظموا في كلِّ شيءٍ إلا في العواطفِ الصادقة، فهذا ليس شعرَ حياة! وإنما شعرَ زحافاتٍ وعلل! ذلك الشعرُ الرَّثُّ الذي تَرَكَنَا بلا شعر، ولم يُبقِ في حياتنا ما ليس منظومًا سوى عواطفنا وأفكارنا..
يُظهرُ أبو شادي عدمَ اكتراثه ويُقلّبُ في صفحاتِ مجلةٍ في يدِه..
     يردُّ ميخائيل:
 
 
الشاعرُ لا بدّ أن يكونَ نبيًّا...
يُقاطعُهُ العقاد ضاحكًا:
لا بهلوانًا!!
يُكملُ ميخائيل:
والشعرُ لا بدّ أن يكونَ وحيًا وإلهامًا...
يُقاطعه العقاد ثانيةً:
 
لا ضربًا من الحلج والجمز والمشي على الأسلاك، وغير ذلك من الحركات التي تجيدُها القِرَدة!!
يرفعُ أبو شادي رأسَه وينظرُ إليهما في صمت...
     يقولُ ميخائيل:
هؤلاءِ فصلوا بين الحياة والأدب، مع أنّ الحياةَ والأدبَ توأمان لا ينفصلان! كما أنّ نظرتَهم للشعر مقصورةٌ على نظمِهِ في الغزل والنسيب، والمدح والهجاء، والوصف والرثاء... إلى آخره من هذه الأغراض التي أكل عليها الدهر! فالمجدُ لهؤلاء الذين تجاسروا وتعدوْا هذه الحدودَ المقدّسة...
يردُّ العقاد:
المجدُ لنا إذن!!
فيضحكُ ميخائيل والعقادُ معه ضحكاتٍ عالية، وأبو شادي مستمرٌّ في النظرِ إليهما مبتسمًا...
     يُكملُ ميخائيل:
 
 
هؤلاء جامدون حتى على مستوى اللغة! فالدنيا تطوَّرت! ويحقُّ للأدباء التصرفُ في اشتقاق المفردات وارتجالها!
     يُقاطعُه العقاد:
يجبُ أن نذكر أنّ اللغةَ ليست وليدةَ اليوم لنخلقَ قواعدَها وأصولَها! وأنّ هذا التطورَ الذي تتحدث عنه إنما يكونُ في اللغاتِ التي ليس لها ماضٍ وقواعدُ وأصول! فإن وُجدت هذه القواعد فلماذا نهملُها أو نخالفُها إلا لضرورة؟؟
هنا... يعودُ أبو شادي إلى الوراء مبتسمًا ابتسامةً عريضة، ولسان حاله يقول: "أشوف أمورك أصدقك، أسمع كلامك أستعجب([2]) "، ثم يخرجُ عن صمته قائلًا:
 
 
أُفكّرُ في إنشاءِ مجلةٍ تخدمُ الشعر! وذلك حبًّا في إحلاله مكانتَه السابقةَ الرفيعة، وتحقيقًا للتآخي والتعاون المنشود بين الشعراء؛ فأريدُ أن تتخلصَ هذه المجلةُ من الحزبيّةِ ومن الغرور! وألا يكونَ هناك غرضٌ لها إلا خدمة الشعر خدمةً خالصةً من كلِّ شائبة بعد ذلك التدهور وذلك الانحطاط الذي أصابَهُ وأصاب الشعراء... كما سأجعلُ من شوقي مُصدِّرًا لهذه المجلة؛ فستكونُ مجلةً مُتفتِّحةً أبوابُها لكلِّ نصيرٍ لمبادئها التعاونيّةِ الإصلاحيّة...
صَمْت....
أبو شادي للعقاد:
أتحبُّ أن تشاركَ فيها؟
العقاد:
لا بأس... أفكَّرتَ في اسمٍ لها؟
أبو شادي:
أبوللو..
     العقاد:
أبوللو؟؟ أتتمرّدُ على الثقافةِ العربية؟؟
صَمْت...

 

                                                                                   انتهى..
 
 
إعداد الطالبات
 

   حفصة علي مرسي                     نها عادل جمعة                   فاطمة خالد فرج




 



([1]) اعتمدنا في ذلك على كلام العقاد وميخائيل وأبي شادي أنفسهم من كتبهم ومقالاتهم.
 
([2]) أصل المثل: أسمع كلامك أصدقك، أشوف أمورك أستعجب.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كيف تلعب العروض؟

الشعر العربي الحديث

من أعمال الطلاب