حديث على طلل
هذا
الحوار المسرحي لا يمت للواقع بصلة، وإنما هو محاولة جاهدة منا -على قدر
إمكانياتنا- لتخيل حوار بين ثلاثة شعراء من مدارس مختلفة.
الزمان:
في وقت الظهيرة.
المكان:
في قصر الثقافة.
|
بينما كان الشعراء الثلاثة
العقاد وأبو ماضي وأبو شادي يتحدثون عن حياتهم الشخصية، فإذا هم يتطرقون لوفاة
زوجة أحمد زكي أبو شادي، مبدين له كل الحزن والمواساة، فاستوقفهم العقاد قائلا:
|
أعيب عليك يا أبا شادي
تقليدك المحافظين في قولك:
طلل على طلل يئن وهكذا
قضيت ساعة عبرتي ودعائي
على حد علمي أنك على خلاف
معهم.. كيف إذن تعترف بأنهم على حق في نهجهم. وتذكر أن الطلل والوقوف عليه والبكاء
لذكرياته هو الصواب في الشعر، وذلك بالرغم من أن سمات مدرستك الثورة على القديم،
بل تستخدم ألفاظًا عصرية حديثة، وتتمرد على المحافظين وبشدة.. إنك بقصيدتك هذه
ترفع راية الاستسلام للمحافظين.
|
|
أبو شادي:
|
إن الشعور بفقد أعز شخص
عليك يجعلك كالمذبوح الذي يستغيث بما يجده نجاة له، وقد كتبت قصيدتي معبرا عما
بي، ومخرجا طاقتي في شعري بدلا من الصراخ والاكتئاب.. إن قلمي وأشعاري ليست
منهجية فقط، بل حسية أيضا، فأبوللو كما تعلم أساسها الحس، والعاطفة، وبركان
مشاعر منصهرة.
|
|
إيليا:
|
أرى أنك بلغت من الحزن
ذروته، فالحزن والبكاء لا يعيد المفقودين إلينا، ولا نجني منه سوى ثمار قاتلة
تقيد عقولنا؛ ثم تبلد أحاسيسنا فتقضي علينا، فالموت يشم رائحة الحزن ويتتبعه،
وحزنك هذا يقطع شريط عمرك وينهيه سريعا.
إن كنت مكتئبا لحزن قد مضى
هيهات يرجعه إليك تندم
أو كنت تشفق من حلول مصيبة
هيهات يمنع أن تحل تجهم
|
|
أبو شادي:
|
هذا ليس بالأمر اليسير يا إيليا
فنحن بشر، ولسنا آلات تأمرها أن تبتسم فتفعل ما تؤمر.. نحن لنا مشاعر وذكريات
تتحكم في تفكيرنا وانفعالاتنا، وتكون جزءًا من شخصيتنا سواء بالبهجة، أو الحزن،
فالدعوة لترك الحزن أمر يسير لكن تنفيذها يكاد يكون مستحيلا. لن تشعر بما أقول
حتى تمر به. حينها سيتحول ذاك الشاعر الذي يدعو للبهجة والتفاؤل لشخص حزين رغما
عنه.
|
|
العقاد:
|
احزن كما شئت فالحزن ليس
ما أعترض عليه لكن كل اعتراضي على محاكاتك لغة المحافظين، واعترافك باتباعهم.. أنت
تهرب.. تستسلم لهم مرة أخرى، ولا تواجههم مثلما فعلت.. لقد فضلت الفرار من
انتقاداتهم على مواجهتهم.
|
|
أبو شادي:
|
أتنعتني بالضعف والهروب
ومدرستك تدعو جهرا للهروب إلى الخيال يأسا من تغيير الواقع؟ إن كنت قد هربت
جسديا من بلدي، فعقلي لم يتوقف عن التفكير فيها. أنا أذكرها في كل حين.
وددت قبل مماتي أراك يا مصر مرة
وإن أكن في جنان فريدة الحسن حرة
|
|
إيليا:
|
إن الديوانيون يفضلون
الفرار إلى الطبيعة والحديث عنها، بالرغم من أن الأولى هو الحديث عن أحوال مصر
وتحريك مشاعر الشعب للتخلص من الاستعمار، أو محاولة الثورة عليه، لكنهم رضوا
بالأمر الواقع ولم يفعلوا سوى بث شكواهم للطبيعة.
|
|
العقاد:
|
لقد حاربت ثم حاربت. ولم
ولن أكل قط عن المحاربة والثورة، والوقوف بجانب الضعيف والدفاع عنه.
فشت الجهالة واستفاض
المنكر
فالحق يهمس والضلالة تجهر
والصدق يسري في الظلام
مثلما
يسير في الصبح الرياء فيسفر
وأما بالنسبة لاتهامكما
الديوانيين بالفرار من الواقع وتفضيل الهروب عن المواجهة وعدم الشعور بالوطنية
وبث شكوانا للطبيعة، فمدرسة أبوللو وكذلك مدرسة المهجر، تكثران من بث الشكوى
للطبيعة. لكن لحظة.. لم تتحدثان عن الوطنية وحب بلادكما، ولم يشهد أحدكما ما
شهدته مدرسة الديوان من ظلم الاستعمار؟ لقد هربت مدرسة أبوللو للخارج متأثرة في
شعرها بالأدب الغربي، أليس هذا عدم انتماء للوطن؟ وبالنسبة لمدرسة المهجر، فإن
اسمها يغني عن الحديث عنها. ولكني رغم ذلك لا ألوم أحدا على شيء.
|
|
هنا ينظر العقاد لساعته
ويعتذر منهما تاركا قهوته التي كان يرشف منها الرشفة الأخيرة ويقول:
|
أعتذر منكما سأضطر
للمغادرة رغما عني فلدي موعد مهم.
|
|
إيليا:
|
بالتأكيد.. وسنحدد يومًا
آخر لنكمل حديثنا هذا لأنه حديث مثمر بكل جوانبه.
|
|
أبو شادي:
|
للحديث بقية يا أصدقائي.
|
|
ثم سلم كل منهم على الآخر
سلاما حارا يحمل كل حب واحترام وتقدير..
|
|
انتهى..
عمل الطالبتين:
رانيا السيد السيد نجوى عنتر عبد المحسن محمد
تعليقات
إرسال تعليق